تأصيل الصيدلة العربية.. الاستفادة من العقاقير المحلية باستبدالها بما كان يستورد والعمل على توحيد الأوزان والمكاييل لتتماشى مع نظام المقاييس الموجود



برع الأطباء في بادئ الأمر في تحضير الدواء حسب نسب ومقادير محددة.

ولما اقتصر أمر إعداد الدواء وتركيبه على الصيادلة، حذقوا هذا الفن وارتقوا به كثيرًا. فاستخدموا موازين دقيقة لخلط هذه النسب.

ولم يكن هذا الأمر سهلاً في بادئ الأمر خاصة في تحضير الأدوية ذات المصدر الأجنبي؛ إذ إن كل بلد كانت له أوزانه ومكاييله.

وكانت أهم مصادر علم الصيدلة عند العرب ـ قبل أن تستقر عندهم علمًا أصيلاً ـ كُتب الهند وفارس؛ فقد عُرف عن الهنود، حتى وقتنا الحاضر، إلمامهم العميق بالأعشاب، وبراعتهم في استخراج خواصها ومعرفة آثارها في الأبدان.

ولما كان المبدأ العام في كل الأمور الدنيوية هو الحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق بها؛ فقد تلقّف العرب كل ما وصل إلى أيديهم من علم الحشائش والعقاقير.

كذلك أخذوا عن اليونان ما استطاعوا، إلا أن ذلك كان في وقت مبكر نسبيًا؛ أي مع بدايات أخذ الدولة الإسلامية بأسباب العلم والحضارة.

واعتنوا من بين كل الكتب اليونانية بكتاب المادة الطبية في الحشائش والأدوية المفردة الذي وضعه ديسقوريدس العين زربي (80م) وكتابه هو “المادة الطبية Materia Medica“، وترجموه عدة مرات أشهرها اثنتان: ترجمة حنين بن إسحاق في بغداد، وترجمة أبي عبدالله الصقلّي في قرطبة.

وفي وقت لاحق قام الصيادلة المسلمون ـ بفضل خبرتهم وممارستهم ـ بالزيادة على هذا الكتاب واستدراك ما فات ديسقوريدس، ومن ثم بدأ التأليف والتصنيف بغزارة في الصيدلة وعلم النبات، ومن ذلك معجم النبات لأبي حنيفة الدينوري (282هـ، 895م)، والفلاحة النبطية لابن وحشية (318هـ، 930م) والفلاحة الأندلسية لابن العوام الأشبيلي، فقد استفاد المصنفون في علم الأدوية كثيرًا من هذه الكتب وأمثالها.

وكان لابد ـ تبعًا لهذا التطور الذي شهدته صناعة الدواء ـ أن تطرأ تعديلات تؤصِّل هذه الصناعة، وتمكّن من الاستفادة من العقاقير المحلية باستبدالها بما كان يستورد، وتبسط أعمال الصيدلة، وتضع معيارًا للجودة النوعية تكتشف من خلاله الأدوية المغشوشة، والعمل على توحيد الأوزان والمكاييل لتتماشى مع نظام المقاييس الموجود والاستغناء عن المقاييس المستوردة غير الموحدة.