ختان الذكر وخفاض الأنثى من منظور إسلامي.. بين الدفاع عن حقوق الأطفال والاتهام بمعاداة السامية



«لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم» (التين 4:90).
«ألا إن الله حرّم عليكم دماءكم وأموالكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا، ألا هل بلّغت؟» قالوا نعم. قال: «اللهم فاشهد» (رواه البخاري، حديث 3044).

من خلف جدار دار الجيران يرتفع صريخ أطفال يتألّمون ممزوج بزغاريد النساء مع أغاني فرح ما زلت أحفظ منها جملة تقول: «زَينُه يا شلبي وسلمُه لامُه».

كان الجيران يحتفلون بختان أطفالهم وبهذه المناسبة اجتمعوا مع الأقارب في ساحة البيت وفي الشارع المجاور ووزّعوا الحلوى على المارة. وكانت عمليّة الختان تتم داخل البيت، يقوم بها «الشلبي».

ولصغر سني حين ذاك ولكوني من عائلة مسيحيّة لا تمارس الختان لم استوعب ما هو الختان ولماذا يصيح الأطفال من الألم بينما الجمع من حولهم يفرحون ويمرحون.

لقد بقي هذا الحدث الغريب المتناقض عالقاً بذاكرتي بعد أكثر من أربعين عاماً من انقضائه ورغم المسافة التي تفصلني عن مكان حدوثه.

ففي عام 1970 تركت القرية واستقرّيت في سويسرا حيث أتممت دراستي الجامعيّة وحصلت على ليسانس ودكتوراه في الحقوق من جامعاتها.
وكانت الدكتوراه عن أثر الدين على النظام القانوني في مصر.

وفي عام 1980 عيّنت مستشاراً قانونيّاً مسؤولاً عن القسم العربي والإسلامي، في المعهد السويسري للقانون المقارن حيث ما زلت أعمل حتّى الآن.

في عام 1992، بينما كنت في جولة في مصر، وقع نظري على كتاب عنوانه «ختان الذكر وخفاض الأنثى من منظور إسلامي»، لمؤلّفه الدكتور عبد السلام عبد الرحيم السكّري، أستاذ بكلّية الشريعة والقانون في جامعة الأزهر قسم دمنهور.

تردّدت كثيراً قَبل أن اشتريه فعنوانه يعيد إلى ذاكرتي صراخ أطفال الجيران.
وعلى الغلاف سكّيناً حادّاً أحمر اللون يمر بين طفل وطفلة يزيل الستار عمّا كنت أجهله من أسباب هذا الصراخ.

ولكني تجلدت واشتريته. وبدلاً من قراءته خبأته في إحدى زوايا مكتبي بعيداً عن أنظاري.
في عام 1993، طلبت منّي منظمة (شمال جنوب 21) في جنيف أن أقدّم محاضرة في مؤتمرها عن حقوق الطفل الذي عقدته في جامعة جنيف يومي 30 و31 يناير عام 1993.
فاقترحت عليها موضوعين من بينهما الختان.

وقد وقع اختيار المنظمة على هذا الموضوع الذي كنت أتخوّف منه وأجهله كل الجهل.
وها هو الكتاب الذي خبأته في إحدى زوايا المكتب يقفز أمام عيناي. وكان لا مفر من قراءته والتمعّن في محتواه.
فاكتشفت أن الختان لا يمارس في مصر على الذكور فقط بل أيضاً على الإناث.
ثم انتقلت منه إلى مقالات وكتب بالعربيّة وبلغات أخرى أبحث فيها عمّا كنت أجهل.

وقرّرت وضع ثمرة أبحاثي ضمن مقال قدّمته للمؤتمر بكل براءة. وقد دفعني الجو الجامعي الذي نُظم فيه المؤتمر إلى تجاهل أن هذا الموضوع يمس صميم المعتقدات الدينيّة كما إني لم أكن اعلم أن المنظمة الداعية هي منظمة ليبيّة.

وما إن انتهيت من إلقاء المحاضرة حتّى انهالت علي الانتقادات من منظّمي المؤتمر، وكان بينهم مسلمون وصفوني بالإلحاد.
أمّا الحاضرون فقد صفقوا لي واستغربوا الاتهام. فدافعت عن نفسي موضّحاً أن ما جاء في محاضرتي ليس تهجّماً على الديانات بل دفاعاً عن الأطفال الأبرياء.

وتبيّن لي حين ذاك أن الدفاع عن حقوق الأطفال قد نسي تماماً من قِبَل المنظّمين عندما تعارضت هذه الحقوق مع مبادئ يظنّوها من صلب معتقداتهم الدينيّة.
وقد شجّعتني تلك الانتقادات لكي استمر في بحثي بخصوص الختان دفاعاً عن حق الأطفال.
وأحسست في ضميري بأني مسؤول عنهم وكأني أحملهم على كتفي.

فقمت بنشر مقالي بالفرنسيّة الذي ما لبث أن نُشر بالإنكليزيّة والإسبانيّة والألمانيّة والفنلنديّة في أكثر من عشر مجلاّت علميّة.
وقد اكتشفت وما زلت اكتشف يومياً أن هناك معارضين ومؤيدين جدد لموضوع الختان.

وصُنِّفت بطبيعة الحال بين معارضي الختان. لا بل إن اليهود اتهموني بمعاداة الساميّة حتّى على شبكة «الأنترنيت».
ولكني لا أعير كبير اهتمام للاتهامات ما دام قصدي هو البحث عن الحقيقة.
سامي عوض الذيب أبو ساحلية