ابن سينا.. أبحاث في ماهية الدواء واختياره وصفاته ومفعوله وطرق حفظه. تأثير بعض الأعمال الصيدلانية في عمل الأدوية المفردة التي قد تفسد مفعولها أو تقلله



تأتي أهمية ابن سينا في حقلي الطب والصيدلة من أنه العالم الذي حدّد النظريات والتطبيقات في عصر ازدهار الحضارة الإسلامية التي تقابل العصور المظلمة في أوروبا.

وإذا كان علي بن سهل الطبري طليعة عهد النهضة العلمية الإسلامية، فإن قمة هذه النهضة كانت في عهد الشيخ الرئيس ابن سينا؛ فقد تناول علم الصيدلة في موسوعة "القانون في الطب" ـ التي تتكون من خمسة كتب ـ في الكتابين الثاني والخامس.

يحتوي الكتاب الثاني على الأدوية المفردة وذكر فيه عددًا كبيرًا من النباتات الطبية العربية المنشأ وكذلك الهندية والفارسية والصينية واليونانية.

أما الكتاب الخامس فقد تناول فيه الأدوية المركَّبة وطرق تحضيرها سواءً كانت ذات مصدر حيواني أو معدني أو نباتي، وحضَّر ما يربو على 800 دواءٍ مُركَّب استخدمها المسلمون ثم أهل أوروبا من بعدهم زمنًا طويلاً، والكتاب الثاني ينقسم إلى قسمين:

يتناول القسم الأول أبحاثًا في ماهية الدواء واختياره وصفاته ومفعوله وطرق حفظه.

وشرح في هذا الكتاب تأثير بعض الأعمال الصيدلانية في عمل الأدوية المفردة التي قد تفسد مفعولها أو تقلله إذا لم تُراع مواصفات كل دواء.

وذكر من ذلك الطبخ العنيف والمعتدل والخفيف، والسحق الشديد والمفرط، والإحراق الذي يكسر الحدّة، أو الذي يكسب الحدّة، أو الذي يلطِّف الحدة، أو الذي يزيل القوة غير المرغوبة، وأضاف إلى هذا الجزء جداول أطلق عليها اسم الألواح بيّن فيها أثر كل دواء على كل عضو، وجعلها اثني عشر لوحًا؛ وهو تصنيف يمكن أن نطلق عليه في لغة صيادلة العصر التصنيف الفارماكولوجي (تصنيف علم العقاقير).

 أما القسم الثاني من الكتاب الثاني فيحتوي على الأدوية المفردة ذاتها، وقام بترتيبها ترتيبًا ألفبائيًا وتعّرض بالتفصيل لنحو 600 عقار وذكر أمام كل عقار المعلومات الست التالية:
1- ماهيته.
2- اختياره.
3- طبعه.
4- فعله.
5- بديله.
6- سُمِّيته.
وقد يضيف إلى بعضها مصدره الجغرافي.

والكتاب الخامس يتناول فيه الأدوية المركبة، ويقسمها تبعًا لخواصها إلى: حارة وباردة، ورطبة ويابسة؛ وذلك لأن نظريته في العلاج مُستمدة من أن تركيب جميع الكائنات يقوم على أربعة عناصر، وأربع كيفيات متضادة.

وأن بلوغ الصحة يتأتى من تعادل الأخلاط الأربعة في جسم الإنسان؛ وهي الدم والبلغم والمرة السوداء والصفراء وأطلق عليها اسم المزاج.

وعلى الرغم من أن نظرية القوى والأمزجة والأخلاط التي عوّل عليها ابن سينا ومن سبقه من أطباء في شرح آلية تأثير الأدوية، تعد غير مقبولة علميًا في الوقت الراهن، إلا أنه ذكر وصفًا لعشرين فعلاً دوائياً أكثر مما ذكره المجوسي في "كامل الصناعة"، ولكل منها أهميته في علم الطب الحديث.

كما يورد في مقالتي الكتاب الخامس عددًا من المركبات الراتبة في الأقرباذينات، وعددًا من الأدوية المركبة المجربة بالإضافة إلى أصول علم تركيب الأدوية، ولا يفوته ذكر الأوزان والمكاييل المستخدمة في العالم الإسلامي آنذاك بالإضافة إلى ما عند الروم.