أسلوب ابن البيطار في البحث العلمي في كتاب الجامع لمفردات الأدوية والأغذية



كان يسير على نمط في البحث يشبه الطريقة العلمية الحديثة أو المنهج التجريبي.

فقد بدأ في مقدمته القصيرة يخطط لكتابه والغرض منه والبواعث التي دفعته إلى تأليفه، ونراه في عبارات دقيقة موجزة يحدد لكتابه أهدافا ستة في مقدمته ولكنه يصدر أولا هذه الأحداث بالتحميدة التي أعتاد علماء السلف الصالح أن يبدؤوا مقدمات كتبهم بها.

وحرص ابن البيطار على أن يسجل في مقدمة كتابه أن يقوم على أغراض جديدة، ويتميز بما حواه على غيره من المؤلفات السابقة في النباتات والأعشاب الطبية، ويقول إنه تناول فيه الكلام عن صفات حديثة لم تذكر من قبل، وقد بناه على ستة أهداف اتضح لنا من خلالها منهجه العلمي، وهي:

- الهدف الأول:
استيعاب القول في الأدوية المفردة والأغذية المستعملة على الدوام والاستمرار، عند الاحتياج إليها في ليل أو نهار، مضافا إلى ذلك ذكر ما ينتفع به الناس.

- الهدف الثاني:
صحة النقل فيما ذكره عن المتقدمين وحرره عن المتأخرين، فما صح عنده بالمشاهدة والنظر، وثبت لديه بالخبرة لا الخبر، ادخره كنزا سريا، وما كان مخالفا في القوى والكيفية، والمشاهدة الحسية في المنفعة والماهيّة للصواب والتحقيق، أو أن ناقله أو قائله عدلا فيه عن سواء الطريق نبذه ظهريا، وهجره مليا.

- الهدف الثالث:
ترك التكرار حسب الإمكان، إلا فيما تمس الحاجة إليه لزيادة معنى أو تبيان.

- الهدف الرابع:
تقريب مأخذه بحسب ترتيبه على حروف المعجم مقفى ليسهل على الطالب ما طلب، في غير مشقة ولا عناء ولا تعب.

- الهدف الخامس:
التنبيه على كل دواء وقع فيه وهم أو غلط متقدم أو متأخر، لاعتماد غيره على الصحف والنقل، واعتماده على التجربة والمشاهدة.

- الهدف السادس:
في أسماء الأدوية بسائر اللغات المتباينة في السمات، مع أني لم أذكر فيه ترجمة دواء إلا وفيه منفعة مذكورة أو تجربة مشهورة، وذكرت كثيرا مما يعرف في الأماكن التي تنبت فيها الأدوية المسطورة، كالألفاظ البربرية واللاتينية، وهي أعجمية الأندلس إذ كانت مشهورة عندنا وجاء بها في معظم كتبنا، وقيدت ما يجب تقييده منها بالضبط وبالشكل وبالنقط تقييدا، يؤمن معه التصحيف، ويسلم قارئه من التبديل والتحريف، إذ كان أكثر الوهم والغلط الداخل على الناظرين في الصحف إنما هو من تصحيفهم لما يقرؤونه، أو سهواً لورّاقين فيما يكتبونه.