الصيدلة عند العرب.. وصف الفاعلية العلاجية للعقاقير النباتية والحيوانية والمعدنية وتجمة كتاب المادة الطبية لديو سكوريد



درس الصيادلة العرب كتاب الطبيب الإغريقي "ديوسكوريد" الذي يحمل عنوان: "المادة الطبية" والذي وصف فيه الفاعلية العلاجية للعقاقير النباتية والحيوانية والمعدنية.

وتُرجم هذا الكتاب في مناسبات عدة إلى اللغة العربية تحت عنوان كتاب "الأعشاب في الطب" وتمت ترجمته كذلك إلى السريانية والفارسية.

وكرّس الأطباء والصيادلة العرب معظم أعمالهم الطبية للأدوية البسيطة، وبفضل المبادرة الشخصية لأكثر من 110  من الكتّاب مسلحين بالحاجة الاجتماعية الملحة والقيمة العلمية العالية، ظهرت وللمرة الأولى في تاريخ علم الصيدلة دراسة للمواد الطبية المحلية ذات طابع جغرافي، حيث بقيت فعّالة على مدى خمسة قرون.

ولم تكن معرفة العقاقير الطبية أمراً سهلاً، ففي السابق قام كل من إسطفان بن باسيل (القرن التاسع) -الذي كان أول من ترجم كتاب "ديو سكوريد" إلى اللغة العربية- وحنين بن إسحاق -الذي أعاد وراجع ترجمة إسطفان- بنقحرة (أي نقل حروف لغة إلى لغة أخرى) الأسماء الإغريقية لبعض العقاقير إلى اللغة العربية، وذلك لأنهم لم يجدوا لها مرادفات.

وقد شرح ابن البيطار، إمام النباتيين (القرن الثالث عشر) كتاب ديوسكوريد "المادة الطبية" في كتابه "تفسير كتاب ديوسكوريد" مسلطاً الضوء على الكثير من العقاقير والمركبات والآراء المهمة التي وردت بين دفتي الكتاب، وفي الوقت نفسه أهمل ما رآه عديم النفع أو هامشياً.

كان التداوي بالأدوية عند العرب بزهور النباتات وبذورها وجذورها فاستعملوا البصل والكمون لمعالجة أمراض الصدر، الثوم لمعالجة ديدان وأمراض المعدة، التين لمعالجة الإمساك، الحلبة لأمراض الربو والسعال، والحبة السوداء لأمراض الجهاز الهضمي، والكمأة لعلاج أمراض العين، السواك لعلاج الأسنان. وحرر الإسلام العلم والطب من العِرافة والكهانة والشعوذة.

وقد وردت أسماء بعض النباتات الطبية في الأحاديث النبوية في مجال العلاج وفي مجال الأدوية والأشربة والخضاب، ومن هذه النباتات: التمر، والريحان، والحنظل، والخردل، الدد، وشوك السعدان، الشعير، والسلق، الحنطة، الطلح، البطيخ، والقثاء، الثوم، البصل، العنب، والحناء، الزعفران والعصفر، الصندل الكافور، والصبار، والحبة السوداء.

واكتشف العلماء العرب أدوية جديدة أضافوها إلى علم الأدوية من بينها: المسهلات كالراوند، والسنامكي، والسنط، والمنشطات كالجوز المقيئ والآقونيطن (خانق الذئب) والقنب (الحشيش) والأرجوت (صدأ القمح) كمسكن للألم، الخشخاش (الأفيون) كمنوم ولتسكين الألم وإيقاف السعال ومنع الإسهال. استعملوا الكافور والصندل والقرنفل والمر وجوزة الطيب والتمر هندي والقرفة واليانسون والزنجبيل والتوابل في التداوي.

كان العرب يمارسون تخدير المريض أثناء العمليات الجراحية فقد أكد ريو أن الأطباء المغاربة كانوا يستعملون السكران وهو عشب مخدر، وجوز الطيب في عملية الختان أو تركيبة دواء من السكران والكبريت ويكون البخار المتصاعد من طبخهما بمثابة مخدر يستمر تأثيره 24 ساعة.

كثيرا ما كانوا يستعملون أعضاء بعض الحيوانات لمعالجة الأمراض كداء الكلب (السعار) بتناول 9 مثقال (جرام) من كلية الكلب العقور بمجرد قتله، أو مرارته التي تحتوي على مادة مضادة لجراثيم داء الكلب.

شعر العرب منذ القرن الثاني للهجرة بأهمية علم الصيدلة في التجارب الطبية، كما اقتنعوا بأن معرفة الكيمياء أساسية في البحوث الصيدلية، وقد أكد برتيلو في كتابه "الكيمياء قي القرون الوسطى" أن كتب جابر بن حيان في الكيمياء هي غاية ما وصل إليه العقل الإنساني من الابتكار، وأن كل المشتغلين بهذا العلم من بعده كانوا عالة عليه.

أول من أقام المستشفيات ونظم صناعة الادوية والأعشاب كان في العصر الأموي، وفي عهد الخليفة العباسي المعتصم ففرض تأدية امتحان في الطب والصيدلة وأجرى أول امتحان للصيادلة عام 221 هـ.

كان المحتسب يحلف الأطباء والصيادلة السر المهني وهو أن لا يعطوا أحدا دواء مرا ولا يركبوا له سما ولا يصنعوا التمائم عند أحد من العامة، ولا يذكروا للنساء الدواء الذي يسقط الأجنة ولا للرجال الدواء الذي يقطع النسل والغض عن المحارم وعدم إفشاء الأسرار والتوفر على جميع الآلات).

كان علم الطب والتداوي عند العرب مزدهرا بينما كان الأوروبيون يجهلونه ويحتقرون أصحابه، حيث كانت الكنيسة قد حرمته عليهم وحصرت التداوي في زيارة الكنائس والاستشفاء بالتبرك بالقديسين والتعاويذ والرقى التي كان يبيعها رجال الدين وكان الأوروبيون يستنكفون من النظافة والاغتسال لأنها تشبه الوضوء عند المسلمين وكان علماء النبات يسمون في المشرق بالعشابين والشجارين والنباتيين والحشائشيين.

ازدهر بالمشرق والأندلس علم النبات في القرن 12 فظهر النبطي (أبو العباس أحمد بن مفرج المعروف بابن الرومية ولد في أشبيلية عام 615 هـ) وتلميذه ابن البيطار وهما أندلسيان ورشيد الدين الصوري المتوفي عام 639 هـ.

درس النبطي أعشاب الأندلس والمغرب وصنف كتاب الحشائش ورتب فيه أسماءها على حروف المعجم وقال لوكلير عن ابن البيطار: أنه أعظم نباتي العرب ولا يضاهيه من أطباء. وقد استفاد ابن البيطار بانتقاله بجبال الشام وكان يصحبه رسام يصور له الأعشاب.

رحل إلى المشرق عام 1217م ومر بالمغرب وسجل ملاحظات شتى حول الأعشاب وبعض الأسماء وحشر في كتابه ما سمع به وقرأه في تصانيف الأدوية المفردة وضبطه على حروف المعجم، وعينه السلطان الكامل رئيس العشابين ومات بمصرعام 1248م وكتابه جامع المفردات أكمل وأوسع ما صنفه العرب في الطب وقد ترجمة لوكلير إلى الفرنسية وهو يتضمن المئات من وصفات العقاقير.

كانت دراسة الصيدلة اخذت تتطور في عهد الخلافة الأموية وتم اكتشاف عناصر جديدة في الصيدلة وعلوم المعالجة واستحضرت طرق في تحضير الادوية وحدد أصناف من الأدوية والتركيبات وتعريفاتها وطرق استخدامها، قد انتعشت أيام الخلافة العباسية منذ عام 750م وحتى عام 1258 لاسيما عند ظهور كتاب جابر بن حيان كامل الصنعة في الكيمياء الذي يعتبر أقدم كتاب في الكيمياء جمع فيه المعارف وأبحاثه ولاسيما حول الذهب والزئبق والزرنيخ والكبريت والأملاح والأحماض وكان يعتقد أن المعادن خليطا مصنوعا من الزئبق والكبريت بنسب مختلفة من العرب.

وكان نشوء علم الصيدلة عند العرب يعود إلى تاريخ القرن الثامن حيث كان يوجد مركّبو أدوية في مستشفى جنديسابور بإيران. وكان علم الصيدلة والأدوية مطبقاً في المستشفيات وفي الصيدليات العامة والخاصة.

كان كتاب "الصيدلة في الطب" للبيروني (القرنين العاشر والحادي عشر) مصدراً غنياً بالمعلومات، فهو يعرض تاريخ علم الصيدلة عند العرب ويضم تعريفات للمصطلحات الخاصة بعلم الصيدلة وتصنيف الأدوية على شكل غذاء ودواء وسموم، وعرف البيروني كلمة صيدنة ومرادفتها صيدلة أو مهنة الصيدلة بأنها (ترتكز على معرفة العقاقير البسيطة بأصنافها وأنواعها ومميزاتها وعلى معرفة صنع الأدوية المركبة وفق وصفتها الثابتة (المدونة) أو وفق رغبة الشخص المكلف بالعلاج المؤتمن المصلح)· تطورت قوانين الصيدلة على مر القرون لا سيما بعد دراسة دستور الصيدلة الذي وضعه القلانيسي بالقرن 13.