رأي يوسف القرضاوي في استخدام تحليل البصمة الوراثية.. عدم إثبات النسب بها في حالة الزنا لأن الأصل في إثبات النسب هو فراش الزوجية



الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين:
إن البصمة الوراثية لا يثبت بها النسب في حالة الزنا؛ وذلك لأن الشرع وإن كان يتشوف لإثبات النسب، فإنه في ذات الوقت يرى أن الستر مقصد هام تقوم عليه الحياة الاجتماعية؛ لئلا تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، ودليله ما قاله النبي (ص) لمن دفع ماعز بن مالك من الإقرار بالزنا «هلا سترته بطرف ثوبك».
وهذا مبني على أن الشرع يقر بأن «الولد للفراش»، فالأصل في إثبات النسب هو فراش الزوجية، كما أن الشرع تشدد في جريمة الزنا، واشترط لها أربعة شهود، فكل وسيلة غير شهود الأربعة بقيام رجل وامرأة بعملية الزنا الحقيقي، فلا قيمة له، ولا يتم به إثبات نسب.
كما أن الشرع لا يعاقب على جريمة الزنا وإنما يعاقب على الاستهتار والمجاهرة بها، حتى يرى الشخص 4 من الناس جهارًا نهارًا عيانًا بيانًا يقوم بإتيان تلك الكبيرة، أما فعلها في الخفاء، فيكفي فيه الستر.
ومن القواعد الفقهية في تلك المسألة أن الحدود تدرأ بالشبهات، وما لم نكن على يقين من القيام بالزنا، فلا يحكم به، وبالتالي لا يعتد بالبصمة الوراثية في إثبات النسب، إلا إذا نفى الرجل والمرأة تريد إثباته، وهي متأكدة من براءتها، هنا يمكن الأخذ بالرأي؛ لإزالة الشك من قلب الرجل، ولتبرئة المرأة مما اتهمت به.
فإذا رأى رجل امرأته مع آخر، فليس من المعقول مطالبته بأربعة شهود كي يتهم زوجته بالزنا، ونفي ولدها منه، أو أن يتهمها زورًا وبهتانًا، وهنا يجب على القضاء أن يأخذ بالبصمة الوراثية لأمرين:
- الأول: إثبات براءة المرأة مما وُجّه إليها من تهمة.
- الثاني: إثبات نسبة الولد لأبيه، حتى لا يقع الولد في مشكلات مستقبلية.
فإذا رفض الزوج القيام بالبصمة الوراثية، فيُعَدّ هذا دليلاً ضده وليس له، ويكون من حق القاضي أن يفعله رغمًا عن الزوج.
كما أنه لا يجوز اعتبار البصمة الوراثية في إقامة الحدود؛ وذلك لأن إقامة الحد مشروطة برؤية 4 شهود بقيام الزنا حقيقة، بل إن الشرع يحتاط في إقامة الحدود ما لا يحتاط في غيره، وأن قيام 3 بالشهود ونفي الرابع يوجب إقامة حد القذف عليهم.
أما عن أخذ بصمة الزوجين قبل الزواج وتسجيلها في الدوائر الحكومية، حتى يتم معرفة نسب المولود فيما بعد من خلال البصمة، فإن هذا يتم اختيارًا، ولا يجوز إجبار الناس عليه. وأن الدعوة لتسجيل بصمة الوالدين ينافي ما قرره الشرع من مبدأ الستر.