الغضب.. عليك ألا تكبت أي شعور في داخلك مهما كانت الظروف وألا تخلق أي سلسلة من الانفعالات مع البشر



إذا كنتَ تشعر بالغضب ولا يمكنك أن تعبّر عنه، لا بأس، اجعله في داخلك لفترة، لأنه من غير المفيد أن ترمي غضبك على غيرك وتبدأ بسلسلة من الانفعالات الغير منتهية...

هذا الإنسان الآخر الذي تلقّى غضبك لا بد أن يذهب ليرميه على إنسان آخر وهكذا...
حتى أن الغضب قد ينتقل عبر أجيال ما لم يصل إلى إنسان صاحي صاحب حكمة ووعي وعرف كيف يتفاعل مع هذا الغضب...

لأن كل شيء في هذه الحياة يخضع لقانون السبب والمسبب... وبالتالي ستساهم في خلق سلسلة غير منتهية من العنف الذي لا مبرر له.

إذا شعرتَ بالغضب وأحسست بأن إطلاقه سيكون له نتائج هادمة بالنسبة لك ولغيرك عندها لا بأس، ارسم ابتسامة مزيّفة على وجهك ودَع الغضب يبقى في داخلك... ولكن لا تدعه هناك إلى الأبد بل اذهب إلى غرفتك، أغلق الباب، استخدم وسادة وصبّ كل ما تشعر به من غضب على تلك الوسادة... اكتب اسم الشخص الذي سبب لك هذا الشعور وفرّغ غضبك عليه... لا تنسَ أن ترمي كل ما تشعر به في تلك الغرفة لأنه من الخطر جدّاً أن يبقى في داخلك...

الغضب هو سم، وعندما يكون الجسد جاهزاً للقتال سيرمي كل يمتلكه من السم في الدم وستصبح تحت تأثير غضبك المتجمع منذ زمان بعيد... وعندما يصل الغضب إلى دمك لا بد من إخراجه وتفريغه لأنه إذا بقيَ أيضاً في الدم ولم يجد مخرجاً، سيتحوّل إلى مرض في جسدك وقد يؤذي الجسد ويعيقه، وقد يسمم كل علاقاتك مع غيرك من البشر... وتذكر: كل ذلك يحدث ليس لأنك شعرت بالغضب وإنما لأن الغضب كان موجوداً في داخلك منذ البداية...

ذهبتَ إلى العمل وقام المدير بإهانتك، ولن تستطيع أن تعيد له الإهانة، لذلك تعود إلى البيت وتبحث عن أي عذر لتغضب على زوجتك... ستعطي لنفسك التبرير بأنها قامت بعمل شيء خاطئ، ولكن ذلك مجرّد عذر وخيال... لأنك كنت بحاجة لشخص أضعف منك، لشخص يمكنك أن تكون مديره... لذلك فأنت ترمي الغضب على زوجتك... وهي بدورها ستنتظر عودة الأطفال من المدرسة... وهي مملوءة بالغضب الذي يبحث عن الشخص الأضعف ليصب فيه...

وهكذا عندما يأتي الطفل ستبحث عن عذر لترمي غضبها عليه، ودائماً يمكن إيجاد عذر وسبب، لا فرق ما هو هذا العذر... يمكنها البدء بالقول: لماذا ملابسك متسخة؟؟ دائماً تعود من المدرسة وهذه الأوساخ عليك!! ولكنه طفل صغير ولا يهتم كثيراً بالملابس لأنها حقيقة لا قيمة لها... بالنسبة له يمكنه اللعب كيفما شاء فلا هم له ولا بال... وينتهي النقاش ببعض الضرب والتأنيب بغرض التأديب...

والآن ماذا سيفعل الطفل؟؟ بالطبع سيذهب إلى الكلب ويرمي غضبه عليه أو سيرمي الكتاب في الطريق أو أي عمل سيجعل الغضب يخرج عن طريقه... بهذه الطريقة يستمر الغضب بالحركة والانتقال من إنسان إلى آخر... مثل الدوائر على سطح البركة التي كان سببها حجر واحد... وكذلك الغضب سيزداد وينتقل باستمرار...

لذلك تذكر، لا داعي لتبادل الغضب مع الشخص الذي أتاك الغضب منه... ولكن أيضاً لا داعي لأن تبقيه في داخلك وتحبسه... ببساطة ادخل إلى غرفتك وعبّر عن غضبك وفرّغه فيها... وبذلك تكون قد نقلت غضبك إلى الفراغ... حاول أن تبقي غرفة في منزلك خاصة بالتأمل... لذلك مهما حدث، اذهب إلى تلك الغرفة وتخلص من مشاعرك فيها... ستشعر بالاستمتاع الشديد والفرح يملأ كيانك...

إنها تجربة لا بد من اختبارها لأنك ستفاجأ بها... في البداية قد يبدو الموقف غريباً، لكن في فترة قصيرة ستعتاد على الأمر وتبدأ الشعور بالسعادة... الوسادة لن ترد عليك مهما قلت لها ولن تنقل العداء إلى أي شيء... بل على العكس ستشعر الوسادة بالفرح لأنك تفاعلت معها وأعطيتها الاهتمام والانتباه...

عليك ألا تكبت أي شعور في داخلك مهما كانت الظروف ولكن عليك أيضاً ألا تخلق أي سلسلة من الانفعالات مع البشر... هذه هي القاعدة الوحيدة التي عليك مراعاتها في علاقاتك مع البشر... في اللحظة التي تتعلّم بها هذا الفن ستصبح حرّاً من كل هذا الجنون الذي قد يأتي إليك، وستبقى بعيداً عن الإزعاجات في الحياة...

كل يوم يجب أن تقوم بعملية التفريغ تلك، لأن الحياة أصبحت معقدة جداً وتأتي إلى الرأس أفكار كثيرة لا فائدة منها ويجب رميها خارجاً... لذلك من المهم جداً إن أمكنك أن تقوم بالتأمل الحركي (الديناميكي) قدر استطاعتك... في هذا النوع من التأمل أنت تتخلص من كل ما تملكه من غضب وكراهية وحقد وغيرة وحزن... باختصار أنت تتخلص من كل مآسي الحياة التي تسكنك وتبقى أنت مع ذاتك والسكون والصفاء اللذان يملآنك بالحب والعرفان... وتذكر أن التجربة هي خير برهان...