تشتت الأشعة السينية ودور فرانكلين وويلكنز:
تشتت الأشعة السينية (X-ray Diffraction): هي تقنية قوية تستخدم لتحديد التركيب ثلاثي الأبعاد للجزيئات، بما في ذلك الجزيئات الحيوية الكبيرة مثل DNA. يتم فيها توجيه حزمة من الأشعة السينية نحو عينة مبلورة أو شبه مبلورة، وعندما تصطدم الأشعة بالذرات الموجودة في الجزيء، فإنها تنحرف أو تتشتت بزوايا وأنماط محددة. من خلال تحليل نمط التشتت الناتج، يمكن للعلماء استنتاج معلومات حول ترتيب الذرات والمسافات بينها داخل الجزيء.
موريس ويلكنز (Maurice Wilkins) وروزليند فرانكلين (Rosalind Franklin): كان ويلكنز يعمل على دراسة DNA باستخدام تشتت الأشعة السينية. انضمت فرانكلين إلى فريقه في عام 1951 وأحرزت تقدمًا كبيرًا في تحسين تقنيات التصوير بالأشعة السينية لجزيئات DNA. صورتها الشهيرة "الصورة 51" (Photo 51)، التي حصلت عليها باستخدام تقنية تشتت الأشعة السينية عالية الدقة، قدمت دليلًا حاسمًا على أن جزيء DNA له شكل حلزوني. هذه الصورة كشفت أيضًا عن أبعاد مهمة للجزيء، مثل قطر الحلزون والمسافة المتكررة بين الوحدات الهيكلية.
واطسون وكريك ونموذج DNA:
- جيمس واطسون (James Watson) وفرانسيس كريك (Francis Crick): كان واطسون وكريك يعملان بشكل مستقل في جامعة كامبريدج على بناء نموذج لجزيء DNA. عندما شاهدوا صورة فرانكلين لتشتت الأشعة السينية، أدركوا على الفور أن بياناتها تدعم بقوة البنية الحلزونية التي كانوا يفكرون فيها.
- استخدام البيانات: قام واطسون وكريك بدمج بيانات فرانكلين حول أبعاد الجزيء الحلزوني مع بيانات أخرى مهمة قدمها إروين تشارجاف (Erwin Chargaff). اكتشف تشارجاف أن كمية الأدينين (A) في DNA تساوي دائمًا كمية الثايمين (T)، وأن كمية الجوانين (G) تساوي دائمًا كمية السايتوسين (C). تُعرف هذه النتائج باسم قواعد تشارجاف (Chargaff's rules).
- النموذج الحلزوني المزدوج: باستخدام هذه البيانات، تمكن واطسون وكريك من اقتراح نموذج دقيق لجزيء DNA في عام 1953. وصفوا DNA بأنه حلزون مزدوج (Double Helix)، حيث يتكون من سلسلتين من النيوكليوتيدات ملتفتين حول بعضهما البعض.
تركيب DNA: السلم الملتوي:
1. الهيكل:
يشبه جزيء DNA سلمًا ملتويًا.- الدرابزين (Backbone): يتكون جانبا السلم (الدرابزين) من وحدات متناوبة من السكر المنقوص الأكسجين (deoxyribose sugar) و مجموعة الفوسفات (phosphate group). هذه الوحدات مرتبطة ببعضها البعض بروابط فسفودايستر (phosphodiester bonds) لتكوين هيكل قوي ومستمر.
- الدرجات (Rungs): تمثل درجات السلم أزواج القواعد النيتروجينية التي تربط بين السلسلتين. هناك أربعة أنواع من القواعد النيتروجينية في DNA:
- الأدينين (Adenine) (A)
- الجوانين (Guanine) (G)
- السايتوسين (Cytosine) (C)
- الثايمين (Thymine) (T)
2. الاقتران الأساسي (Base Pairing):
تتزاوج القواعد النيتروجينية بطريقة محددة:
- الأدينين (A) يرتبط دائمًا بالثايمين (T) برابطتين هيدروجينيتين.
- الجوانين (G) يرتبط دائمًا بالسايتوسين (C) بثلاث روابط هيدروجينيتين.
3. البيريميدينات والبيورينات:
- البيورينات (Purines): هي قواعد نيتروجينية ذات حلقة مزدوجة، وتشمل الأدينين والجوانين.
- البيريميدينات (Pyrimidines): هي قواعد نيتروجينية ذات حلقة مفردة، وتشمل السايتوسين والثايمين (وفي RNA، اليوراسيل).
- التزاوج الثابت: حقيقة أن البيريميدين يرتبط دائمًا بالبيورين تضمن أن عرض جزيء DNA يظل ثابتًا على طول الحلزون.
الترتيب (Orientation):
الاتجاهية (Directionality): تتميز سلسلتا DNA باتجاهية أو ترتيب محدد. يتم ترقيم ذرات الكربون في جزيء السكر المنقوص الأكسجين. إحدى السلسلتين تمتد في اتجاه '5 إلى '3، بينما تمتد السلسلة الأخرى في الاتجاه المعاكس ('3 إلى '5). يُقال إن السلسلتين متوازيتان ولكنهما متعاكستان في الاتجاه (antiparallel). هذا الترتيب مهم لوظيفة DNA، مثل تضاعفه ونسخه.
تركيب الكروموسوم وتنظيم DNA:
- طول DNA في الكروموسوم: الأرقام التي ذكرتها حول طول DNA في الكروموسومات البشرية مذهلة وتوضح مدى ضخامة جزيء DNA.
- تحدي التعبئة: كيف يمكن لجزيء DNA طويل جدًا أن يتناسب داخل نواة صغيرة جدًا (قطرها حوالي 5-10 ميكرومتر)؟
- التنظيم المعقد: يتم تحقيق ذلك من خلال عملية تعبئة معقدة ومتعددة المستويات:
- تكوين النيوكليوسومات (Nucleosomes): يلتف DNA حول بروتينات كروية تسمى الهستونات (histones) لتكوين وحدات أساسية تسمى النيوكليوسومات. يبدو هذا التركيب مثل "خرز على خيط".
- تكوين ألياف الكروماتين (Chromatin Fibers): تلتف النيوكليوسومات وتتجمع لتكوين ألياف كروماتينية أكثر سمكًا.
- التفاف وتكوين الحلقات (Looping and Folding): تلتف ألياف الكروماتين وتطوى بشكل أكبر لتكوين حلقات.
- التكثف لتكوين الكروموسومات (Chromosome Condensation): خلال انقسام الخلية، تتكثف هذه الحلقات بشكل كبير لتكوين الكروموسومات المرئية والمضغوطة التي تسهل فصلها بدقة إلى الخلايا الوليدة.
خلاصة:
هذا التنظيم الهرمي المعقد يسمح بتعبئة كمية هائلة من DNA داخل النواة مع الحفاظ على إمكانية الوصول إلى المعلومات الوراثية عند الحاجة لعمليات مثل النسخ والتضاعف والإصلاح.
التسميات
أحياء