الدفاعات الخلوية للنباتات: استجابات جدار الخلية لمواجهة غزو مسببات الأمراض
تتمتع النباتات بآليات دفاعية معقدة ومتطورة لحماية نفسها من هجمات الكائنات الدقيقة المسببة للأمراض، وتُعد التراكيب الدفاعية الخلوية في جدار الخلية خط الدفاع الأول والأكثر أهمية. هذه التغيرات المظهرية في جدار الخلية لا تحدث عشوائيًا، بل هي استجابات نشطة وموجهة تهدف إلى إعاقة تقدم الممرض ومنع انتشاره في أنسجة النبات. تُشكل هذه التراكيب حواجز مادية وفيزيائية تُعيق اختراق الممرض وتُحاصره. من أبرز هذه الآليات الدفاعية النوعية نجد انتفاخ جدار الخلية وتكوين الأغماد حول الخيوط الهيفية.
1. انتفاخ جدار الخلية (Cell Wall Apposition/Papillae Formation):
عندما يحاول كائن ممرض، مثل الفطريات، اختراق خلية نباتية عن طريق الاتصال المباشر مع جدار الخلية، تُظهر الخلية النباتية استجابة دفاعية سريعة وموضعية تُعرف بـانتفاخ جدار الخلية أو تكوين الحليمات (Papillae). هذه الظاهرة هي في الأساس رد فعل دفاعي من قبل العائل النباتي، حيث يحدث تراكم موضعي للمواد الدفاعية في المنطقة التي يحاول الممرض اختراقها.
كيفية حدوثها:
تتضمن هذه العملية تغيرًا في التركيب الفيزيائي والكيميائي للجدار الخارجي لخلايا البشرة، أو الخلايا المعرضة للاختراق. يتضخم جدار الخلية في منطقة التماس مع الممرض ليُشكل بروزًا أو انتفاخًا يُشبه القبة. هذا الانتفاخ لا يتكون من مكونات جدار الخلية الأصلية فحسب، بل يتم ترسيب مواد إضافية فيه، مثل:
- الكالوز (Callose): وهو بوليمر من الجلوكوز يُعتبر مكونًا رئيسيًا في هذه الانتفاخات، ويُشكل حاجزًا فيزيائيًا صلبًا.
- المركبات الفينولية (Phenolic compounds): مثل اللجنين (Lignin)، والتي تُضفي صلابة للجدار وتُعزز مقاومته للتحلل الإنزيمي من قبل الممرض. كما أن بعضها يمتلك خصائص مضادة للميكروبات.
- البروتينات الدفاعية (Defense proteins): مثل بروتينات PR (Pathogenesis-related proteins) التي يمكن أن تُحلل جدران الخلايا الممرضة أو تُعيق نموها.
- أيونات الكالسيوم (Calcium ions): التي تساهم في تقوية الهيكل وتعزيز الإشارة الدفاعية.
النتيجة الدفاعية:
يُشكل هذا الانتفاخ حاجزًا ماديًا فعالًا للغاية، يُعيق أو يمنع الممرض من اختراق جدار الخلية بنجاح. إذا تمكن الممرض من تجاوز الجدار الأولي، فإن هذه الحليمات تعمل على تثبيط عملية الإصابة ومنع الممرض من الوصول إلى غشاء الخلية البلازمي أو السيتوبلازم، مما يحد من قدرته على التغذية أو التكاثر. كما أن الانتفاخ يحد من انتشار الممرض إلى الخلايا المجاورة أو بقية أجزاء العائل النباتي، وبالتالي يُمكن للنبات احتواء العدوى في منطقة محدودة.
2. تكوين الأغماد حول الخيوط الهيفية للمسبب المرضي (Hyphal Sheathing/Encapsulation):
في بعض الحالات التي ينجح فيها الممرض في اختراق جدار الخلية الأولي، خاصة بالنسبة للفطريات التي تُشكل خيوطًا هيفية (Hyphae) لاختراق الأنسجة النباتية، تُفعل الخلية النباتية آلية دفاعية أخرى مدهشة تُعرف بـتكوين الأغماد أو التغليف حول الخيوط الهيفية. تُشكل هذه الأغماد، في جوهرها، هياكل تُحيط بالخيط الهيفي للممرض داخل الخلية، تُعزله وتُعيق وظيفته.
كيفية حدوثها:
تنشأ هذه الأغماد كـبروزات من جدار الخلية نحو الداخل، تحديدًا من جدار الخلية المحيط بمنطقة الاختراق. تبدأ هذه البروزات في التكون حول الخيط الهيفي فور دخوله إلى الفراغ المحيط بالخلية (apoplast) أو محاولته دخول السيتوبلازم. يُعد هذا التكوين عملية ديناميكية، حيث يستمر البروز في التكون وتطويق الخيط الهيفي مع متابعة حركة الممرض وتطوره داخل الخلية. بعبارة أخرى، إذا حاول الخيط الهيفي التوغل بشكل أعمق أو التفرع داخل الخلية، فإن الغمد ينمو ويتبعه، مُحافظًا على إحاطة الممرض.
التركيب والمكونات:
تتكون هذه الأغماد بشكل رئيسي من مواد بوليمرية تُشبه تلك الموجودة في جدار الخلية، مثل الكالوز، والسليلوز (Cellulose)، والبروتينات السكرية (Glycoproteins). قد تحتوي أيضًا على مركبات فينولية ومواد مضادة للميكروبات تُساهم في تعطيل الممرض. هذه المكونات تُضفي على الغمد بنية صلبة وواقية.
النتيجة الدفاعية:
الهدف الأساسي من تكوين هذا الغمد هو محاصرة خيط المسبب المرضي وعزله فعليًا داخل الخلية. هذا العزل يُعيق قدرة الممرض على:
- الحصول على المغذيات: يمنع الغمد الممرض من الوصول إلى المواد الغذائية اللازمة لنموه وتكاثره من الخلية المضيفة.
- إفراز السموم أو الإنزيمات: يُقلل الغمد من فعالية إنزيمات الممرض التي تُحلل الجدران أو السموم التي تضر بالخلية، ويُمكن أن يُثبط انتشارها.
- التكاثر والانتشار: بتقييد حركة الخيط الهيفي، يُمنع تقدمه من مكان إلى آخر داخل الخلية نفسها، وإلى الخلايا المجاورة، مما يُقلل بشكل كبير من شدة الإصابة ويُمكن أن يُؤدي إلى موت الممرض.
خلاصة:
باختصار، تُشكل هذه التراكيب الدفاعية الخلوية آليات حيوية تُظهر قدرة النباتات على الاستجابة بفاعلية لتهديدات مسببات الأمراض، مما يُسهم في بقائها واستمرارها في البيئات المليئة بالتحديات البيولوجية.
التسميات
أمراض نباتية