المعرفة النفسية والإرشاد النفسي.. الأفكار غير العلمية المرتبطة بالفهم الخاطئ لعلم النفس وتفرعاته لمواجهة كل أشكال الاضطرابات النفسية



المعرفة النفسية والإرشاد النفسي:

لعل الحكمة القديمة الحاثة على معرفة النفس كمدخل أساس لمعرفة أحوال الإنسان وبيئته الاجتماعية ما تزال لها مصداقيتها المؤثرة.
فلا يوجد علم من العلوم يختلف فيه الناس وتزداد نسبة الخطافي فهمهم له وتباين موضوعاته لديهم كموضوعات علم النفس بالإضافة إلى ذلك تنوعه وتشعبه في موضوعات متعددة.

بين الأمراض النفسية والأمراض العقلية:

لقد اختلط الفهم على الناس في موضوعات هذا العلم بين أمراض نفسية وأمراض عقلية، وبين علم نفس اجتماعي وعلم نفس إكلينيكي، وتربوي وحربي وصناعي ..إلخ.
 بل اختلط كل ذلك بدراسة سمات الشخصية من ذكاء وإبداع وعبقرية وما ناقض ذلك من صفات.

فهم الذات الإنسانية:

 ورغم هذا الاختلاط على جمهور المثقفين، فلازالت موضوعات علم النفس المختلفة ومنذ زمن طويل تجذب القارئ لارتباطها بنفسه وبيئته الاجتماعية.
 ومن دراسة تاريخ هذا العلم وبذوره الأولية نكتشف كم نحن محظوظون في هذا العصر لاقترابنا من فهم ذواتنا بشكل أفضل مما فهم به أجدادنا الأولون ذواتهم.
 فقد عولجت الأمراض النفسية في عصور التخلف بطريقة تتفق والأسباب التي أعتقد بأنها تولد المرض فتم استخدام مجموعة من الأساليب التي تبدو غريبة وعجيبة علينا الآن مثل القيام ببعض الصلوات وصب المياه المقدسة واستعمال بصاق الكهنة أو فضلاتهم لعلاج أولئك المساكين الذين أصيبوا بنوع أو بآخر من الأمراض النفسية.

صراع مع الشيطان:

وعندما ارتقى أسلوب العلاج عن ذلك، ظن في تلك العصور المتقدمة أن الشيطان هو الذي يسكن أجسام هؤلاء المرضى فاستخدمت أقذع العبارات فى الشتم بقصد الإساءة إلى كبرياء الشيطان كي يترك جسم المريض وينأى عنه، وتطور الأمر بهذا الاتجاه إلى أن يعاقب الشيطان المستوطن لجسم المريض بالضرب "ضرب المريض" أو غمره في الماء البارد أو المغلي ..الخ.
 لقد اتخذت كل هذه الخطوات حتى يتحول جسم المريض "منزلا مزعجا" لذلك الشيطان فيتركه ويهرب، ولعل بقايا هذا النوع من الاعتقادات ما تزال سارية بأشكال مختلفة لدى بعض الفئات في مجتمعاتنا القريبة إلى الجهل.

فهم خاطئ لعلم النفس:

 هذه الأفكار غير العلمية المرتبطة بالفهم الخاطئ لعلم النفس وتفرعاته، هي التي مازالت تثير المخاوف الباطنية عند بعض الأفراد في مواجهة كل أشكال الاضطرابات النفسية.
 ومازالت أسر كثيرة تخفى أبنائها أو بناتها العاثري الحظ الذين أصيبوا بنوع أو آخر من الاضطرابات النفسية وكأن إصابتهم عار اجتماعي، فتوصد عليهم الأبواب لتحجبهم عن الزائرين والغرباء.

مرض علاجه الزواج:

وفى بعض تراثنا العربي الإسلامي معالجات نفسية لا تخلو من طرافة، كما نقل عن ابن سينا عندما مرض واحد من أبناء الأمراء، فنودي على ابن سينا لعلاجه، ودخل الطبيب على المريض وبعد فحصه لم يجد في ظاهر جسمه علة، فأمسك نبضه وراح يردد على مسامعه أسماء الأحياء في المدينة، وعندما وصل إلى أسم حي معين، فإن نبض المريض ازدادت ضرباته ونبضاته، وأعاد ابن سينا ترديد أسماء بيوت الحي على المريض، إلى أن زاد نبضه عند ذكر أسم بيت أسرة بعينها، عندها أخذ الطبيب الحاذق يردد أسماء من يسكنون ذلك البيت حتى وصل إلى اسم معين من فتيات الأسرة.
 عندها أخذ نبض المريض يدق بسرعة ويزداد بزيادة ملحوظة، صاح الطبيب عندها، زوجوا ابنكم الشاب من تلك الفتاة فهي علاجه.

أعراض عضوية لمرض نفسي:

 على بساطة هذه القصة وعوامل الشك العلمي فيها إلا أنها تقودنا إلى حقيقة مفادها أن الأقدمين قد عرفوا بشيء من الدقة، أن ما يبدو على أنه أعراض لمرض عضوي ليس من الضرورة أن تكون أسبابها عضوية، إلا أن هذه الحقيقة إذا واكبها نقص في المعرفة العلمية وضعف في الاطلاع والفهم، فقد تقود الإنسان إلى الوقوع في شرك الشعوذة والدجل، ومن ثم ينحرف العلاج عن جادة الصواب.