الغلوكاغون: الهرمون المنقذ وموازنة سكر الدم
الغلوكاغون هو هرمون ببتيدي بالغ الأهمية، يُفرز من خلايا ألفا (α) في جزر لانجرهانز الموجودة في البنكرياس. يلعب دورًا محوريًا في تنظيم مستويات الغلوكوز (السكر) في الدم، حيث يعمل بشكل معاكس تمامًا لعمل الأنسولين. يُعتبر الغلوكاغون بمثابة "الهرمون المنقذ" الذي يمنع انخفاض سكر الدم بشكل خطير (نقص سكر الدم).
آلية إفراز الغلوكاغون:
يتم تنظيم إفراز الغلوكاغون بشكل أساسي من خلال مستوى الغلوكوز في الدم:
- انخفاض سكر الدم: عندما تنخفض مستويات الغلوكوز في الدم عن المعدل الطبيعي (عادة ما يكون أقل من 70 ملغ/ديسيلتر)، تستشعر خلايا ألفا هذا الانخفاض وتبدأ في إفراز الغلوكاغون. هذه هي المحفز الرئيسي لإفراز الغلوكاغون.
- ارتفاع مستويات الأحماض الأمينية في الدم: بعد تناول وجبة غنية بالبروتين، ترتفع مستويات الأحماض الأمينية في الدم. يحفز هذا الارتفاع إفراز الغلوكاغون لمنع حدوث نقص في سكر الدم الناتج عن تحفيز الأحماض الأمينية لإفراز الأنسولين بشكل طفيف.
- هرمونات أخرى: بعض الهرمونات الأخرى مثل الإيبينيفرين (الأدرينالين) والنورإيبينيفرين (النورأدرينالين) والكورتيزول وهرمون النمو يمكن أن تحفز إفراز الغلوكاغون في حالات معينة مثل الإجهاد أو الصيام لفترات طويلة.
آلية عمل الغلوكاغون: رفع مستوى سكر الدم
يعمل الغلوكاغون بشكل أساسي على الكبد لزيادة إطلاق الغلوكوز إلى مجرى الدم من خلال آليتين رئيسيتين:
1. تحلل الغليكوجين (Glycogenolysis):
- الغليكوجين هو الشكل المخزن من الغلوكوز في الكبد والعضلات.
- عندما يصل الغلوكاغون إلى الكبد، يرتبط بمستقبلات خاصة على سطح خلايا الكبد.
- ينشط هذا الارتباط سلسلة من الإنزيمات داخل الخلية، مما يؤدي إلى تكسير الغليكوجين المخزن إلى جزيئات الغلوكوز.
- يتم بعد ذلك إطلاق هذه الجزيئات من الغلوكوز إلى مجرى الدم، مما يرفع مستوى سكر الدم.
2. تكوين الغلوكوز (Gluconeogenesis):
- تكوين الغلوكوز هو عملية تصنيع الغلوكوز من مصادر غير كربوهيدراتية مثل الأحماض الأمينية (خاصة الألانين)، والجلسرول (ناتج تكسير الدهون)، وحمض اللاكتيك.
- يحفز الغلوكاغون هذه العملية في الكبد عن طريق زيادة توافر الركائز الأولية وتنشيط الإنزيمات الرئيسية المشاركة في تكوين الغلوكوز.
- تساهم هذه العملية في الحفاظ على مستويات سكر الدم الطبيعية خاصة أثناء الصيام لفترات طويلة عندما تكون مخازن الغليكوجين قد استُنفدت.
تأثيرات أخرى للغلوكاغون:
بالإضافة إلى تأثيره الرئيسي على مستويات الغلوكوز في الدم، يمتلك الغلوكاغون تأثيرات أخرى على الجسم، وإن كانت أقل أهمية من دوره في تنظيم سكر الدم:
- تحلل الدهون (Lipolysis): يحفز الغلوكاغون تكسير الدهون المخزنة في الأنسجة الدهنية (الخلايا الشحمية) إلى أحماض دهنية وجلسرول. يتم استخدام الأحماض الدهنية كمصدر للطاقة في الأنسجة الأخرى، بينما يتم استخدام الجلسرول في الكبد لتكوين الغلوكوز.
- تكوين الكيتونات (Ketogenesis): في حالات الصيام المطول أو نقص حاد في الكربوهيدرات، يحفز الغلوكاغون الكبد على إنتاج الكيتونات من الأحماض الدهنية. تُستخدم الكيتونات كمصدر بديل للطاقة للدماغ والأنسجة الأخرى عندما يكون الغلوكوز غير متوفر بكميات كافية.
- تأثيرات أخرى: قد يكون للغلوكاغون تأثيرات طفيفة على إفراز الصفراء وحركة الأمعاء، ولكن هذه التأثيرات ليست ذات أهمية فسيولوجية كبيرة مقارنة بدوره في تنظيم سكر الدم.
أهمية الغلوكاغون في الحفاظ على توازن سكر الدم:
يعتبر الغلوكاغون والأنسولين نظامًا متوازنًا ودقيقًا للحفاظ على استقرار مستويات الغلوكوز في الدم ضمن نطاق ضيق. يعمل الأنسولين على خفض سكر الدم عن طريق تسهيل امتصاص الغلوكوز من الدم إلى الخلايا وتخزينه على شكل غليكوجين ودهون. في المقابل، يعمل الغلوكاغون على رفع سكر الدم عن طريق تحفيز إطلاق الغلوكوز المخزن وتصنيعه.
هذا التوازن الدقيق ضروري لوظائف الجسم الطبيعية. فارتفاع سكر الدم المزمن (كما في داء السكري) يمكن أن يؤدي إلى تلف الأوعية الدموية والأعصاب والأعضاء المختلفة. وبالمثل، فإن انخفاض سكر الدم الحاد يمكن أن يؤدي إلى أعراض خطيرة مثل الدوخة، والارتباك، والنوبات، وفقدان الوعي، وفي الحالات الشديدة قد يكون مميتًا.
استخدام الغلوكاغون طبيًا:
يُستخدم الغلوكاغون كدواء في الحالات الطارئة لعلاج نقص سكر الدم الحاد لدى الأشخاص المصابين بداء السكري الذين فقدوا القدرة على تناول السكر عن طريق الفم. يتوفر الغلوكاغون عادةً على شكل حقنة أو بخاخ أنفي، ويمكن أن يقوم شخص مدرب (مثل أحد أفراد الأسرة أو صديق) بإعطائه للمريض لرفع مستوى سكر الدم بسرعة حتى وصول المساعدة الطبية.
خلاصة:
الغلوكاغون هو هرمون حيوي يُفرز من البنكرياس ويلعب دورًا حاسمًا في تنظيم مستويات الغلوكوز في الدم. يعمل بشكل أساسي على الكبد لتحفيز تكسير الغليكوجين وتكوين الغلوكوز، مما يؤدي إلى رفع سكر الدم ومنع حدوث نقص سكر الدم الخطير. يعتبر التوازن بين عمل الغلوكاغون والأنسولين ضروريًا للحفاظ على صحة الجسم ووظائفه الطبيعية.
التسميات
بنكرياس