السرطان والوراثة.. تكاثر عشوائي وغير مضبوط للخلايا. المورثة الورمية التي تنشط النمو والتكاثر والانقسام. المورثة الكابحة للورم



السرطان هو داء ارتبط اسمه مع اسم الموت حتى صار يضاهيه رهبة و فزعاً، وصار كل من يسمع بِاسمه يشعر بالخوف والحزن والأسى سواء أكان هو المصاب أم أحد أقاربه أو معارفه.

والحقيقة أن السرطان هو داء خطير قد يؤدي إلى الموت لكن ليس بالضرورة، تستدعي كلمة السرطان صوراً لمستقبل من لجج  فنحن نسمع عنه الكثير حتى لتبدو نسبة الإصابة به في المجتمع ككل وكأنها زايد طوال الوقت.

والسرطان بأشكاله المختلفة يأتي في المرتبة الثانية بعد أمراض القلب كمسبب لأعلى نسبة وفيات في الأمم الصناعية، إذ يموت واحد من بين كل ثلاثة أو أربعة بالسرطان حتى ونحن ننعم بالصحة الكاملة لا نزال نرى في السرطان أفظع حكم بالإعدام.

لكن هذا ظلم  فمع وجود العزيمة والأمل و العلاج  الجيد و الحديث أصبح الطب يتحدث عن شفاء من هذا الداء الشرس أو على الأقل يحقق العلاج لفترة جيدة تتفاوت حسب طبيعة الداء ومرحلته وحالة المصاب.

والحرب ضد هذا العدو الذي يحارب الإنسان في داخله مستمرة وليس هو أداة فيها ولم يتوقف الأطباء في مراكز الأبحاث يوماً عن البحث الدؤوب لمعرفة أسرار ودقائق الداء وبالتالي إيجاد العلاج الشافي الموفق وفي كل يوم جديد نسمع عن دواء جديد وعلاج جديد قد يحمل في طياته الخلاص النهائي  من مرض العصر.

والأمر ليس ببعيد فكم من داء كان يقي الموت فيما مضى  لم نعد نسمع عنه سوى في الكتب بفضل الثورة العلمية في العلاج.

و بإمكاننا أن نقول أن الطب قد بدء بفتح نوافذ كانت مغلقة تدخل منها أشعة الأمل و الدفء لكل مصاب بهذا الداء على أمل أن يصبح الداء حكاية منسية  أو عنوان نقرأ عنه في كتب التاريخ وليس في  كتب الطب.

و من شروط كل حرب ناجحة أن نتسلح بالمعرفة والدراية الجيدة بأسرار العدو حتى لا تكون الحرب ضد المجهول وعسى أن تكون المعرفة هي الدافع للسير قدماً في مواجهة هذا الداء وعدم الوقوف أمامه مطأطئي الرأس.

كما ينبغي الإيمان بأن المرض والشفاء إنما هو بيد الخالق فلا  السرطان ولا غيره يستطيع أن يقدم أو يؤخر في الأجل المكتوب.

تحتوي نواة كل خلية في جسم الإنسان على مورثات تشرف و تسيطر على وظائف هذه الخلية وعملها وغذائها و انقسامها وموتها،  ولكل خلية نمط معين من الحياة تحدده مجموعة من المورثات الخاصة تشرف على عملية الانقسام أو شيخوخة و موت الخلية و تدعى مجموعة هذه المورثات بمورثات الموت المبرمج. 

وتضبط هذه المورثات عمل مورثتين مسؤولتين إما عن الانقسام و التكاثر أو عن إيقاف ولجم هذا التكاثر.

المورثة الورمية التي تنشط النمو والتكاثر والانقسام:
المورثة الكابحة للورم و هي المورثة التي تقي من حدوث الورم و تعمل مجموعة هذه المورثات بشكل منتظم و متوافق بشكل يضمن سلامة ووظيفة النسج والخلايا ومن برنامج محدد لكل نسيج.

فمثلاً تشرف هذه المورثات على نسيج بطانة الرحم ليتبدل كل 28 يوم كما أن النسيج يفترض ألا يتجدد بعد الولادة لذلك نجد أن المورثة الورمية متوقفة عن العمل فيه.

 هذه الأمور تحدث في حال سلامة و انتظام عمل المورثات لكن ماذا يحدث لو تعرض عمل هذه المورثات لخلل بحيث زاد عمل المورثة الورمية أو تعطل عمل المورثة الكابحة؟ 
الجواب سيكون هو حدوث الورم.

فالورم هو تكاثر عشوائي وغير مضبوط للخلايا بحيث تفقد الخلية قدرتها على الموت فتنقسم في جميع الاتجاهات  دون وجود من يلجمها أو يقيد تكاثرها.

و لكن هذا الورم الناشئ ليس بالضرورة أن يكون خبيثاً فيلزمه بعض التغيرات في بنية الخلية حتى يتحول إلى ورم خبيث.

ويكون هذا الورم الخبيث  في بدايته متواضعا في مكانه، ومع مرور الوقت وحسب شدة خباثته يبدأ بالانتشار والتوسع والانتقال إلى مناطق بعيدة معطياً النقائل الورمية التي حين وجودها يعني التقدم  في مرحلة الورم و صعوبة و تعقيد بالعلاج.

فالسرطان إذاً لا يبدأ دفعة واحدة إنما هناك عدة مراحل يمر بها وهذه المراحل تحتاج إلى زمن قد يمتد لسنوات، والسرطان إذاً هو داء يصيب مورثات الخلية فيؤدي إلى تكاثرها و هذا لا يعني انه داء وراثي بالضرورة.

والواقع أن لدينا من الأسباب ما يكفي للتفاؤل بالتقدم الذي يتم في الكشف المبكر عن السرطان، وفي علاجة ويزيد من آمالنا تلك التحسينات التى تجرى على الطرق التقليدية ثم دخول الهندسة الو راثية في المجال البيوطبي.


0 تعليقات:

إرسال تعليق