الاكتئاب والذهان الدوري من منظور النظرية التحليلية:
تقدم النظرية التحليلية، التي أسسها سيغموند فرويد، تفسيراً نفسياً عميقاً للاكتئاب والذهان الدوري، حيث تربط هذه الاضطرابات بمراحل النمو النفسي والجنسي المبكرة، وبالديناميكيات النفسية الداخلية، مثل النرجسية والعدوانية والعلاقة بين مكونات الشخصية (الهو والأنا والأنا العليا).
الاكتئاب في النظرية التحليلية:
- النكوص إلى المرحلة الفمية السادية: يرى التحليل النفسي أن الاكتئاب هو نكوص (Regression) إلى المرحلة الفمية السادية في التطور النفسي والجنسي. تحدث هذه المرحلة في الطفولة المبكرة، حيث يكون الطفل مهتماً بالاستكشاف عن طريق الفم، وقد تتضمن هذه المرحلة أيضاً مشاعر سادية (الرغبة في إلحاق الأذى). عندما يتعرض الشخص لفقدان الحب أو رفض في مرحلة لاحقة من حياته، قد ينكص إلى هذه المرحلة المبكرة، مما يؤدي إلى ظهور أعراض الاكتئاب.
- فقدان الحب كمحفز: يعتبر فقدان الحب أو الشعور بالرفض أو الانفصال عن شخص مهم في حياة الفرد محفزاً رئيسياً للاكتئاب من وجهة النظر التحليلية. هذا الفقدان يُعيد إحياء مشاعر الطفولة المبكرة المرتبطة بالفقدان والاعتمادية.
النرجسية والعدوانية:
- ازدياد الحاجات النرجسية: يبدأ الاكتئاب بتزايد الحاجات النرجسية، حيث يشعر الشخص بأنه غير محبوب وغير مرغوب فيه. هذا الشعور بالنقص النرجسي يُعتبر أساسياً في فهم ديناميكية الاكتئاب.
- العدوانية الموجهة نحو الذات: تتطور العدوانية التي يشعر بها الشخص تجاه العالم الخارجي (الموضوعات المحيطية) إلى عدوانية موجهة نحو الذات. بدلاً من توجيه الغضب والإحباط نحو مصدر الإحباط (مثل الشخص الذي سبب الفقدان)، يتم توجيه هذه المشاعر نحو الذات.
- الشعور بالإثم (انقلاب الأنا العليا ضد الأنا): يظهر الإحساس بالعدوانية والكراهية للذات في صورة الشعور بالإثم والذنب الشديد. يفسر التحليل النفسي هذا الشعور بأنه ناتج عن انقلاب الأنا العليا (الضمير) ضد الأنا (الذات الواعية). تُوجه الأنا العليا اللوم والانتقاد الشديدين للأنا، مما يُسبب الشعور بالذنب وعدم القيمة.
- دور العدوانية في الانتحار: تلعب العدوانية الموجهة نحو الذات دوراً حاسماً في ظهور وتطور الاكتئاب، كما أنها تُعتبر عاملاً مهماً في ظهور الميول الانتحارية.
الذهان الدوري (الاضطراب ثنائي القطب) في النظرية التحليلية:
- الابتهاج المرضي (الهوس) كانفراج بين الأنا والأنا العليا: يفسر التحليل النفسي نوبات الهوس (الابتهاج المرضي) في الذهان الدوري على أنها انفراج مفاجئ يحدث بين الأنا والأنا العليا لصالح الأنا.
- انتصار الأنا على الأنا العليا: يُنظر إلى الهوس على أنه احتفال رمزي بانتصار الأنا على الأنا العليا. تتخلص الأنا من قيود الأنا العليا الصارمة وتُطلق العنان للغرائز والرغبات.
- الحرية الطفيلية وإطلاق العنان للغرائز: يتميز الهوس بحالة من النشوة والاندفاعية والتهور، وكأن الأنا تعود إلى حالة طفولية من الحرية المطلقة وإطلاق العنان لكل الغرائز والرغبات البدائية.
- الهوس كهروب من الاكتئاب: يُعتبر الهوس في بعض الأحيان هروباً من الاكتئاب، حيث يحاول الشخص الهروب من المشاعر المؤلمة للاكتئاب عن طريق الانخراط في سلوكيات هوسية.
أهمية فهم المنظور التحليلي:
يساعد فهم المنظور التحليلي للاكتئاب والذهان الدوري في:
- فهم ديناميكيات المرض: يوفر فهمًا أعمق للعوامل النفسية الكامنة وراء هذه الاضطرابات.
- توجيه العلاج النفسي: يُساعد في توجيه العلاج النفسي التحليلي، الذي يهدف إلى الكشف عن الصراعات النفسية اللاشعورية وحلها.
خلاصة:
من المهم ملاحظة أن النظرية التحليلية هي مجرد واحدة من النظريات التي تُفسر الاكتئاب والذهان الدوري، وهناك نظريات أخرى، مثل النظريات البيولوجية والمعرفية والسلوكية، التي تقدم وجهات نظر مختلفة. يُفضل عادةً استخدام نهج متكامل يجمع بين هذه النظريات في فهم وعلاج هذه الاضطرابات.
التسميات
اكتئاب