علامة كيرنغ: مؤشر عصبي رئيسي لاضطرابات السحايا
علامة كيرنغ (Kernig's Sign) هي إحدى العلامات السريرية الهامة المستخدمة في الفحص العصبي، وتُعد مؤشرًا قويًا على تهيج السحايا (Meningeal Irritation)، وهي الأغشية الواقية التي تُحيط بالدماغ والحبل الشوكي. غالبًا ما ترتبط هذه العلامة بحالات خطيرة مثل التهاب السحايا (Meningitis)، سواء كان بكتيريًا أو فيروسيًا، والنزيف تحت العنكبوتية (Subarachnoid Hemorrhage). سميت هذه العلامة نسبة إلى الطبيب الروسي فلاديمير ميخائيلوفيتش كيرنغ، الذي وصفها في أواخر القرن التاسع عشر.
آلية ظهور علامة كيرنغ:
تنشأ علامة كيرنغ نتيجة الشد والانقباض اللاإرادي في عضلات الفخذ الخلفية (الأوتار المأبضية - Hamstring Muscles) عندما يكون هناك التهاب أو تهيج في السحايا. الأغشية السحائية، وخاصة الأم الجافية والأم العنكبوتية، تُغلف الدماغ والحبل الشوكي وصولاً إلى الفقرات القطنية والعجزية. عندما تلتهب هذه الأغشية، تصبح حساسة ومشدودة، مما يؤدي إلى رد فعل انعكاسي يمنع تمددها.
عند محاولة مد الساق في وضع معين، يتم شد الحبل الشوكي والسحايا المتصلة به. هذا الشد يزيد من الألم والتهيج في الأغشية الملتهبة، مما يؤدي إلى انقباض منعكس للعضلات الخلفية للفخذ في محاولة لتقليل هذا الشد والألم، وبالتالي منع تمديد الساق بالكامل.
كيفية إجراء اختبار علامة كيرنغ:
يتطلب الكشف عن علامة كيرنغ إجراء فحص سريري دقيق. يُجرى الاختبار عادةً بالطريقة التالية:
- وضع المريض: يُطلب من المريض أن يستلقي على ظهره (وضع الاستلقاء الظهري - Supine Position).
- ثني مفصل الفخذ والركبة: يقوم الفاحص بثني فخذ المريض بزاوية 90 درجة عند مفصل الورك، مع إبقاء الركبة مثنية بزاوية 90 درجة أيضًا.
- محاولة مد الركبة: بعد ذلك، يحاول الفاحص ببطء مد ساق المريض عند مفصل الركبة (أي فرد الركبة) مع الحفاظ على ثني مفصل الفخذ.
النتيجة الإيجابية لعلامة كيرنغ:
تُعتبر علامة كيرنغ إيجابية إذا شعر المريض بألم شديد في الجزء الخلفي من الفخذ أو الساق (ألم في الأوتار المأبضية)، ويصاحب هذا الألم مقاومة لا إرادية قوية (تشنج) لمد الساق، بحيث لا يمكن فرد الركبة بالكامل أو بزاوية معينة (عادةً لا يمكن مدها أكثر من 135 درجة). قد يحاول المريض ثني ركبته مرة أخرى لتقليل الألم. يُمكن أن يُلاحظ أيضًا شعور المريض بألم في الرقبة أو الظهر.
الأهمية السريرية لعلامة كيرنغ:
تُعد علامة كيرنغ مؤشرًا سريريًا مهمًا، ولكنها ليست قطعية لتشخيص حالات معينة. تكمن أهميتها في:
- الكشف عن تهيج السحايا: تُشير علامة كيرنغ الإيجابية بقوة إلى وجود تهيج في السحايا، والذي يُمكن أن يكون ناتجًا عن عدة أسباب.
- المساعدة في تشخيص التهاب السحايا: علامة كيرنغ، إلى جانب علامة برودزينسكي (Brudzinski's Sign) وصلابة الرقبة (Nuchal Rigidity)، تُشكل الثالوث الكلاسيكي للأعراض المرتبطة بالتهاب السحايا. وجود هذه العلامات يُعزز الاشتباه في التهاب السحايا ويُبرر إجراء المزيد من الفحوصات التشخيصية مثل البزل القطني (Lumbar Puncture).
- النزيف تحت العنكبوتية: قد تكون علامة كيرنغ إيجابية أيضًا في حالات النزيف تحت العنكبوتية، حيث يتسبب الدم في تهيج السحايا.
- تمييز الأمراض: تساعد في التمييز بين الحالات التي تُسبب ألمًا في الساق ولكنها لا تُشير إلى تهيج سحائي (مثل الشد العضلي البسيط).
قيود علامة كيرنغ وعوامل يجب مراعاتها:
على الرغم من فائدتها، لعلامة كيرنغ بعض القيود:
- الحساسية والنوعية: ليست علامة كيرنغ شديدة الحساسية (ليست دائمًا موجودة في جميع حالات التهاب السحايا، خاصة في المراحل المبكرة أو لدى كبار السن والأطفال الصغار) ولا شديدة النوعية (قد تكون إيجابية في حالات أخرى غير التهاب السحايا، مثل نزيف الدماغ أو مشاكل في العمود الفقري القطني).
- الصلابة العضلية: قد تكون إيجابية كاذبة لدى المرضى الذين يعانون من تشنج عضلي مزمن في الأوتار المأبضية لأسباب أخرى.
- حالة الوعي: قد يكون من الصعب تقييمها لدى المرضى الذين يعانون من غيبوبة أو ضعف شديد في الوعي.
خلاصة:
تُعد علامة كيرنغ جزءًا لا يتجزأ من الفحص العصبي عند الاشتباه في إصابة المريض بالتهاب السحايا أو النزيف تحت العنكبوتية. على الرغم من أنها ليست معيارًا تشخيصيًا وحيدًا، فإن وجودها يُشير بقوة إلى تهيج السحايا ويتطلب تقييمًا طبيًا عاجلاً لتحديد السبب الكامن وبدء العلاج المناسب. إن فهم هذه العلامة وآلية ظهورها يُمكن الأطباء من اتخاذ قرارات سريرية مستنيرة في مواجهة الحالات الطارئة التي تُهدد الحياة.
التسميات
أسئلة تمريض