منهج ابن البيطار في دراسته للنباتات.. الاهتمام بالمترادفات و المتشابه من الإصطلاحات وهذه من أفضال كتاباته في تذليل الصعوبات وتصحيح الأخطاء



هناك نوعان من الاستشهادات عن كل مفردة، تحديد أسمائها و أشخاصها أولا، ثم خصائها الطبية واستعمالاتها ثانياً.
ويأتي في المقدمة ذكر أطباء الإغريق، وعلى رأسهم ديسقوريدس، ثم يليهم الشرقيون.

كما يتطرق إلى مرادفات اسم المادة, و بحثه الطويل حول النبات المسمى بـ"اللوتس" (Lotus) خير مثال لأحسن نقد و تحقيق.
ولا يفوته بيان الأخطاء عند سابقيه، وإبداء رأيه، كطعنه في تعريفهم للكهرمان (Succin) وصمغ الصفصاف (larmes dupeuplier).

كثيرة هي الفقرات الخاصة بابن البيطار.
و نشير هنا على سبيل المثال لا الحصر إلى " آطريلآل" (Ptychotis verticillata)، و"أمليلس"، و"الصفيراء" (Rhamnus alternus)، و(L'Aakouthar)، و(Bunium bulbocatanum]، و(Oegle marmelos)، وشجرة "الأركان" (L'Arganier).. الخ.

نحن نعلم كثرة الشراح و الدارسين الذين بذلوا الجهد الكبير حول "ديسقوريدس" اليوناني، وذلك منذ عصر النهضة و إلى أيامنا هذه.

في حين أن ترجمة كتاب ابن البيطار كانت كفيلة بأن توفر كل هذه الجهود المبذولة في أبحاث مضنية وعقيمة تتوخى إظهار اتفاق العرب والإغريق، وتزيل عن العرب ما أُلصِقَ بهم من انتقادات ترجع في أغلبيتها إلى الترجمات اللاتينية.

و يبين ابن البيطار كذلك اصطلاح المفردات المختلفة تبعاً للبلدان، مثل ما هو الشأن بالنسبة لـ"الريحان" و"الدردا".

كما يقدم ستين اسما بربريا (أمازيغيا)، أدخلها بنفسه، أو سبقه إليها نباتيون أندلسيون، عن طريق الغزوات أو المشاهدة المباشرة بالمغرب.

وهناك لائحة غريبة للمفردات المرادفة المأخوذة من اللغة المسيحية بالأندلس، ويسميها بالعجمية، والمفروض أنها اللاتينية، ما تزال منها أسماء مستعملة مثل "السالمية" (La sauge= Salbya)، و"الخمان" أو "البلسان" (Chebouka = le Sureau)، و"صريمة الجدي" (le Chevrefeuille = Mather Chelba)، و"بيلسان صغير" (l'Hièlbe =Yazgou).

وتوجد اللغة الفارسية ممثلة بمائة مفردة, و نعلم أن العرب أخذوا معلوماتهم العلمية الأولى عن الفرس و استعملوا مصطلحات فارسية، وكانت بلاد فارس هي الطريق التي يسلكها جل المواد القادمة من الشرق الأقصى إلى الجزيرة العربية التي كانت مخزنا عالميا لها، نسجت حوله شهرة من الغنى.

و ينهي ابن البيطار جل فقرات كتابه ليشير إلى التناقضات والأخطاء الواردة فيها. ذكر ابن البيطار في جامعه حوالي 150 كاتبا (مؤلّـِـفا) اعتمدهم كمراجع، وهذه واحدة من مزايا هذا الكتاب الذي احتفظ لنا بالعديد من المقتطفات من كتب ضاع جلها.

ويبلغ كتّاب الإغريق نحو العشرين، وأما الباقون فليسوا فقط علماء عرب، بل وكذلك علماء فارسيون، وسريان، وهنود، وكلدانيون، تمت ترجمة مؤلفاتهم.

و إليكم فيما يلي الأعداد التقريبية لهذه الإستشهادات أو المقتطفات:
عن المشارقة:
- ذكر الرازي 400 مرة.
- وذكر ابن سينا 300 مرة.
- والغافقي و الشريف الإدريسي 200 مرة.
- وابن باجة، وإسحاق بن عمران، وابن ماسويه، 160 مرة.
- وابن ماسة، وأبو حنيفة الدينوري 130 مرة.
- ومسيح بن حكم، وأبو العباس النباتي، 100 مرة.

بالنسبة للإغريق، فقد سبقت الإشارة إلن أن ابن البيطار قد ضمن كتابه الجامع هذا مقالات ديسقوريدس و جالينوس بالتمام و المال.
وأما عن الباقين منهم فنكتفي بالإشارة إلى "أرسطو" و "روفوس" (Rufus) و"بول الإيجيني = المولد" (Paul d'Egine= l'accoucheur)، و قد ورد ذكر كل واحد منهم 30 مرة.

سبقت الإشارة إلى اهتمام ابن البيطار بالمترادفات و المتشابه من الإصطلاحات، وهذه من أفضال كتاباته في تذليل هذه الصعوبات وتصحيح الأخطاء.

من الطبيعي أن المترجمين الأوائل وجدوا أسماء يونانية لم يكن للعرب ما يقابلها في لسانهم، أو لم تكن مترادفاتها معرفة بعد لديهم، والمقصود هنا هي المصطلحات أو المفردات.

لذا تُرِكَتْ أسماء كثيرة على حالها في انتظار تحديدها ومن هنا جاءت المغالطات و الأخطاء.

كما تجدر الإشارة هنا إلى أن عملا هاما قد أُنْجِزَ بالأندلس، هو مراجعة كتاب "ديسقوريدس"، وقد استفاد ابن البيطار من هذه الأعمال و أضاف إليها ملاحظاته.

وهكذا نجده يؤاخذ "إصطفن" أو "إتيان بن باسيل" (Stephan ou Etienne fils de Basile) في ترجمة (Gingidium) عند "ديسقوريدس "بالشهترج" (Fumeterre)، كما يشير إلى الالتباس الواقع بين "Chamelea" و"Chameleon".

خلاصة القول أن الجامع لمفردات الأدوية والأغذية يمتاز بطابع التفوق و الظهور على كل الكتابات العربية في ميدانه، ويترك خلفه وعن بعيد الكتاب الثاني (عن المفردات) لابن سينا، وجامع "سرافيون" (Serapion) حيث اكتفى ابن سينا بحوالي 800 مفردة مأخوذة عن سابقيه، وقام بترتيبها في جداوله.

أما سرافيون، ورغم إتيانه بالجديد، إلا أنه يفتقد إلى النبوغ والنقد والملاحظة والتعليق.
وباعتراف كل الكتاب العرب، يبقى الجامع للمفردات، أكمل و أتقن وأغزر و أوفى كتاب في مادته.

وليس في وسعنا أن نقارن ابن البيطار بأمثال الغافقي وأبي العباس النباتي، الذيـْن لا نعرف عنهما سوى بعض المقتطفات.

ولأن أعمالهما القيمة و الجديرة بكل تقدير لا تكتسي الشمولية وسعة الإطلاع المميزة لأعمال ابن البيطار.