الأمومة في الإسلام: الولادة والنسب الشرعي
يُقر الإسلام بمفهوم واضح ومحدد للأمومة، حيث يُعرّف الأم الحقيقية بأنها المرأة التي تحمل وتلد الطفل بعد فترة حمل طبيعية. هذا التعريف يرتكز على الرابط البيولوجي المباشر بين الأم ووليدها، ويُشير النص الأصلي إلى أن هذه الأم هي "الأم زوجًا"، مما يعني أن الولادة يجب أن تكون ناتجة عن معاشرة شرعية بين الزوجين.
الولادة كمعيار أساسي للأمومة:
يرتكز الفهم الإسلامي للأمومة بشكل أساسي على الولادة. فالمرأة التي تحمل جنيناً في رحمها لمدة الحمل المتعارف عليها (غالبًا تسعة أشهر قمرية) ثم تضعه، تُعد هي الأم الشرعية والحقيقية لذلك الطفل. هذا المعيار البيولوجي لا يُغفل في الشريعة الإسلامية، بل هو أساس تحديد النسب وصلة القرابة. فالولادة هي الحدث الذي يُنشئ العلاقة الأمومية الطبيعية والواضحة، والتي تُمنح على إثرها جميع الحقوق والواجبات المترتبة على الأمومة.
أهمية الزواج الشرعي في تحديد النسب والأمومة:
النص الأصلي يؤكد على أن الأم الحقيقية هي التي تلد "من مباشرة زوجها لها". هذا يُسلّط الضوء على نقطة جوهرية في الشريعة الإسلامية، وهي أهمية الزواج الشرعي في تحديد نسب الأطفال. ففي الإسلام، يُعد الزواج هو الإطار القانوني والشرعي الذي يضمن صحة نسب الأطفال لأبويهم.
عندما تُولد المرأة طفلاً في إطار زواج شرعي وصحيح، يُنسب هذا الطفل تلقائيًا إلى والده (زوج الأم) وإلى أمه. هذا يُجنب الغموض والالتباس في تحديد النسب، ويُؤسس لعلاقات أسرية مستقرة ومعترف بها شرعًا وقانونًا. فالأبناء الذين يُولدون خارج إطار الزواج الشرعي (مثل أبناء الزنا) لا يُنسبون إلى الأب البيولوجي في الشريعة الإسلامية، بل يُنسبون إلى الأم التي ولدتهم فقط، وذلك لحفظ الأنساب وتفادي اختلاطها.
تداعيات هذا التعريف على الأحكام الشرعية:
ينتج عن هذا التعريف الواضح للأمومة العديد من الأحكام الشرعية الهامة، منها:
- الميراث: الأم الحقيقية ترث من ابنها، ويُورث منها ابنها، وفقًا للأنصبة الشرعية المحددة.
- النفقة: يجب على الابن أن ينفق على أمه إذا كانت محتاجة، وعلى الأم أن تنفق على ابنها في بعض الحالات (كالحضانة).
- البر والطاعة: يُعد بر الوالدين، وخاصة الأم، من أعظم القربات في الإسلام.
- المحرمية: الأم محرمة على ابنها تحريمًا مؤبدًا (لا يجوز له الزواج منها)، وهكذا الجدات وبنات الابن وبنات البنت.
- الحضانة: في غالب الأحيان، تُعطى الأم الأولوية في حضانة أطفالها الصغار في حال الانفصال أو الطلاق، نظرًا لكونها الأقدر على رعايتهم في سنواتهم الأولى.
مقاربات أخرى للأمومة (الأم الرضاعية والمتبناة):
من المهم الإشارة إلى أن الإسلام يُقر بأنواع أخرى من الأمومة التي لا تعتمد بالضرورة على الولادة البيولوجية الكاملة:
- الأم الرضاعية: المرأة التي تُرضع طفلاً رضعاتٍ مشبعات في فترة الرضاعة الشرعية (حولين كاملين) تُصبح أمًا له من الرضاعة. يترتب على هذه العلاقة أحكام تحريم الزواج (المحرمية) تمامًا كما لو كانت أمًا بيولوجية.
- الأم بالتبني (ليست أمًا شرعية): على الرغم من أن التبني يُعد عملاً خيريًا واجتماعيًا محمودًا لرعاية الأيتام ومن في حكمهم، إلا أن الإسلام لا يُقر للأم المتبناة نفس مكانة الأم البيولوجية من حيث النسب والميراث والأحكام الشرعية الأخرى. فالطفل المتبنى لا يُنسب شرعًا إلى الأم المتبناة أو الأب المتبني، بل يبقى على نسبه الحقيقي (إن عُرف)، وإن لم يُعرف فيُنسب إلى أصله أو إلى "مولى". الهدف من ذلك هو حفظ الأنساب وعدم اختلاطها.
بهذا التفصيل، يتضح أن مفهوم الأمومة في الإسلام يتركز على الولادة البيولوجية الناتجة عن زواج شرعي، مع الإقرار ببعض العلاقات الأمومية الثانوية التي لها أحكام خاصة، كل ذلك في إطار الحفاظ على الأنساب واستقرار الأسرة والمجتمع.