الحصف الوليدي: فهم شامل لمرض جلدي معدٍ وخطير عند المواليد
يُعد الحصف الوليدي (Impetigo Neonatorum) مرضًا جلديًا شديد العدوى والسريان، يُمثل تحديًا صحيًا حقيقيًا ومشكلة مقلقة في أقسام المواليد بالمستشفيات، خاصةً خلال فترات تفشي الأمراض. عادةً ما تظهر أعراضه في الفترة ما بين اليوم السابع والعاشر بعد الولادة، لكنه قد يظهر في أي وقت خلال الأسبوع الأول أو الثاني من حياة الرضيع.
المسببات والانتشار: التحدي البكتيري في بيئة المواليد
السبب الرئيسي لهذا المرض هو الإصابة بـ البكتيريا العنقودية الذهبية (Staphylococcus aureus). هذه البكتيريا شائعة في البيئة المحيطة، ولكنها تُشكل خطرًا خاصًا على حديثي الولادة نظرًا لمناعتهم غير المكتملة وحساسية جلدهم.
كيف ينتقل المرض؟
ينتقل الانتشار بشكل رئيسي في بيئة الحضانة، خاصةً عبر الطاقم الطبي الذي قد يحمل البكتيريا دون ظهور أعراض عليه، أو عن طريق الأيدي الملوثة، أو الأدوات غير المعقمة جيدًا. هذا يجعل من الالتزام الصارم بمعايير النظافة والتعقيم أمرًا حيويًا للوقاية من تفشي المرض.
مضاعفات خطيرة:
قد يترافق هذا النوع من الحصف الفقاعي عند الوليد مع حالة أكثر خطورة تُعرف باسم متلازمة الجلد المسموط بالعنقوديات (Staphylococcal Scalded Skin Syndrome - SSSS). في هذه المتلازمة، تُنتج البكتيريا سمومًا تتسبب في تقشر الطبقات العليا من الجلد، مما يعطي مظهر الجلد "المسموط" أو المحروق، وهي حالة تتطلب رعاية طبية عاجلة.
المظاهر السريرية: خطورة تفوق مجرد الأعراض الجلدية
الحصف الوليدي ليس مجرد مشكلة جلدية بسيطة؛ بل هو مشكلة خطيرة جدًا، خاصةً أثناء الجوائح أو التفشيات الوبائية في أقسام الولدان. يكمن الخطر في أن معدل الوفيات الناجم عنه قد يكون عاليًا في حالة الإهمال أو حتى في بعض حالات المعالجة، مما يؤكد على ضرورة التشخيص المبكر والعلاج الفوري والمكثف.
الأماكن الأكثر إصابة:
تظهر الآفات الجلدية بشكل شائع في مناطق محددة من جسم الوليد، تشمل:
- الوجه.
- منطقة العجان (المنطقة بين الأعضاء التناسلية والشرج).
- حول السرة.
- الجذع.
- الأطراف.
المظاهر العامة والأعراض الجهازية (البنيوية):
إن انتشار العدوى العنقودية في جسم الوليد يمكن أن يؤدي إلى أعراض جهازية خطيرة وشائعة، تشمل:
- الحمى: ارتفاع درجة حرارة الجسم كعلامة على انتشار العدوى.
- إسهال مُدمى: قد يشير إلى إصابة الجهاز الهضمي بالبكتيريا.
- خراج رئوي: تكوّن تجمعات قيحية في الرئة، مما يؤثر على وظيفة التنفس.
- التهاب السحايا: عدوى خطيرة تصيب الأغشية المحيطة بالدماغ والحبل الشوكي، وقد تسبب تلفًا عصبيًا دائمًا أو الوفاة.
كل هذه الاختلاطات تُعد خطيرة للغاية وقد تكون قاتلة إذا لم يتم التعامل معها بسرعة وفعالية.
المظاهر الجلدية: وصف تفصيلي للآفات
يبدأ المرض عادةً في الأسبوع الأول أو الثاني من حياة الرضيع بظهور فقاعات (Bulla) على أي جزء من الجسم، ولكنها تتركز بشكل خاص على الوجه والأطراف.
تطور الفقاعات:
- تظهر الفقاعات بشكل سريع جدًا.
- تتميز بـ جدار رقيق وهش، مما يجعلها سهلة التمزق.
- يحيط بها هالة حمراء اللون، تدل على وجود التهاب حول الفقاعة.
- في البداية، قد يكون محتواها سائلًا رائقًا، لكنه سرعان ما يصبح عكرًا أو يتحول إلى سائل قيحي (بثري) مع تقدم العدوى.
- بعد تمزق الفقاعة (وهو أمر يحدث بسهولة نظرًا لرق جدارها)، فإنها تخلف وراءها سطحًا نازفًا، متقشرًا، ومتآكلًا تخرج منه إفرازات سائلة.
انتشار الآفات:
يمكن أن تكون هذه الحالة موضعًا (أي محصورة في منطقة صغيرة من الجلد)، أو قد تصبح منتشرة على مناطق واسعة من الجلد، مما يزيد من خطورة الحالة ويزيد من احتمالية امتصاص السموم البكتيرية إلى مجرى الدم وتطور المضاعفات الجهازية.
التشخيص التفريقي: تمييز الحصف الوليدي عن أمراض أخرى
يُعد التشخيص الدقيق أمرًا بالغ الأهمية لضمان العلاج الصحيح. يجب على الأطباء التمييز بين الحصف الوليدي وبعض الحالات الجلدية الأخرى التي قد تظهر بفقاعات لدى حديثي الولادة:
1. الفقاع الشائع (Pemphigus Vulgaris):
- في الفقاع الشائع، تظهر الفقاعات عادةً على جلد سليم (غير ملتهب مبدئيًا).
- تكون تجربة "نيكولسكي" (Nikolsky's Sign) إيجابية، وهي علامة سريرية تُشير إلى سهولة تقشير الطبقات العليا من الجلد عند الضغط الخفيف أو فركها. هذه العلامة لا تظهر عادةً في الحصف الوليدي بنفس الوضوح.
2. الإفرنجي (الزهري) الخلقي (Congenital Syphilis):
- قد تظهر آفات فقاعية في الإفرنجي الخلقي، ولكنها تكون مميزة بتركيزها على الراحتين (باطن اليدين) والأخمصين (باطن القدمين).
- عادةً ما تكون هناك مظاهر أخرى للزهري الخلقي، مثل تضخم الكبد والطحال، فقر الدم، اليرقان، أو مشاكل في العظام، والتي تساعد في التشخيص التفريقي.
- التأكد النهائي من تشخيص الإفرنجي يكون بإجراء الاختبارات المصلية التي تكشف عن الأجسام المضادة للمرض في دم الوليد أو الأم.
خلاصة:
الحصف الوليدي هو حالة طارئة تتطلب وعيًا عاليًا من الطاقم الطبي والأهل على حد سواء. التشخيص المبكر، العزل، والعلاج الفوري بالمضادات الحيوية المناسبة ضروريان لإنقاذ حياة الرضيع وتجنب المضاعفات الخطيرة.
التسميات
حصف جلدي