حكم ترقيع الجلد إذا كانت الرقعة من إنسان حي أو ميت إلى إنسان آخر.. عدم جواز قطع جزء من جسم إنسان حي معصوم الدم لينتفع به آخر



اختلف الفقهاء المحدثون حول نقل جزء من إنسان حي إلى آخر حالة الضرورة بين مانع للنقل مطلقاً وبين مبيح.
واعتمد المانعون على إجماع الفقهاء المتقدمين على عدم جواز قطع جزء من جسم إنسان حي معصوم الدم لينتفع به آخر فقد جاء في حاشية ابن عابدين: (وإن قال له آخر اقطع يدي وكلها لا يحل لأن لحم الإنسان لا يباح في الاضطرار لكرامته).
وجاء في الأشباه والنظائر لابن نجيم: (ولا يأكل الإنسان طعام مضطر آخر ولا شيئاً من بدنه).
وقال الشاطبي: (إن إحياء النفوس وكمال العقول والأجسام من حق الله... فإذا أكمل الله على عبد حياته وجسمه وعقله التي بها يقـيم التكاليف فلا يصح للـعـبد إسقاط شيء منها لأنها من حق الله وما كان من حق الله فلا خيرة فيه للمكلف).
أما المجيزون فقد استدلوا بقوله تعالى: "فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه" وكذلك الآيات الدالة على نفي الحرج كقوله تعالى: "وما جعل عليكم في الدين من حرج".
وقد يقال في وجه الدلالة إن منع نقل العضو من إنسان إلى آخر يجعل الآخر في ضيق وحرج، وقد يصل الأمر إلى الهلاك، ونفي الحرج ثابت في هذه الآية وغيرها فجاز نقل العضو من إنسان إلى آخر.
كما استدلوا كذلك بالنصوص الدالة على الإيثار والتعاون كقوله تعالى: "ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة"، وقوله تعالى: "وتعاونوا على البر والتقوى".
ووجهه أن إنقاذ نفس مؤمنة بنقل عضو إليها من سليم يعد صورة من صور التعاون والبر، كما استدلوا بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تحث على التعاون ورفع الضيق والمشقة عن الناس من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة).
هذا وقد جاء في قرار المجمع الفقهي في دورته الرابعة بجدة ما  يلي:
يجوز نقل العضو من جسن إنسان إلى جسم إنسان آخر إذا كان هذا العضو يتجدد تـلـقـائـياً كالدم والجلد ويـراعى في ذلك اشتراط كون الباذل كامل الأهلية وتحقق الشروط الشرعية المعتبرة.
أما بالنسبة لأخذ جلد المتوفى لترقيع جلد الحي فإن المتتبع لآراء المذاهب يجد أن الجمهور من الحنفية والمالكية والظاهرية يرون أنه لا يجوز تناول الآدمي الميت حال الضرورة أبداً تكريماً للأنسان، ولقوله صلى الله عليه وسلم فيما روته عائشة رضي الله عنها: (كسر عظم الميت مثل كسر عظمه حياً).
ويرى الشافعية والحنابلة أنه يجوز الانتفاع بغير معصوم الدم كالحربي، والمرتد، والزاني المحصن.
ويذهب بعض الباحثين إلى جواز نقل أجزاء من جنس المتوفى للمريض مطلقاً سواء أكان المتوفى معصوم الدم أم لا بشرط أن يأذن المنقول منه قبل وفاته أو يأذن ورثته وذلك في حالة الضرورة التي يقدرها الطبيب الثقة، ودليلهم على ذلك أن نقل جزء من جسم المتوفى ليس فيه إهانة له بل هو تكريم للميت ببقاء عضو من أعضائه ينتفع به إنسان حي، كما أنهم يقولون بأنه من باب يرتكب الضرر الأخف لتلافي الضرر الأعظم، إذ الحي أولى من الميت.
وهذا ما أخذ به المجمع الفقهي في دورته الرابعة بجدة فقد جاء في القرار في الفقرة السادسة منه:
يجوز نقل عضو من ميت إلى حي تتوقف حياته على ذلك العضو، أو تتوقف سلامة وظيفة أساسية فيه على ذلك بشرط أن يأذن الميت أو ورثته بعد موته، أو بشرط موافقة ولي المسلمين إن كان المتوفى مجهول الهوية أو لا ورثة له.